تُعد من أبرز الفنانات في تاريخ الفن المكسيكي العالمي في القرن العشرين، حيث مزجت في لوحاتها بين الواقع والخيال لتعبر عن تجاربها الشخصية، الألم، والهوية الثقافية المكسيكية. وُلدت فريدا كاهلو في 6 يوليو 1907 في كويواكان، بالمكسيك. وفي سن 18 عامًا، تعرضت لحادث حافلة مروع أدى إلى إصابات جسدية خطيرة، استمرت آثارها طوال حياتها. خلال فترة تعافيها الطويلة، اكتشفت عالم الرسم، مستخدمة مرآة مثبتة فوق سريرها لرسم العديد من البورتريهات الذاتية. تزوجت من الفنان دييغو ريفيرا في عام 1929، وكانت علاقتهما معقدة ومليئة بالتحديات والصعوبات.
تميزت أعمال كاهلو بالتركيز على البورتريهات الذاتية، حيث رسمت 55 بورتريهًا ذاتيًا. استخدمت خلال رسمها أسلوبًا يُعرف بـ "الواقعية السحرية"، حيث مزجت بين الواقع والخيال لتصوير الألم والهوية المكسيكية. تضمنت لوحاتها رموزًا من الثقافة المكسيكية، مثل: الزهور، الحيوانات، والملابس التقليدية، لتعكس تراثها وهويتها. تميزت أعمالها باستخدام الألوان الزاهية والرموز الثقافية، مما جعلها رمزًا للفن النسوي المكسيكي وخاصة التعبير عن الذات الثقافية. استخدمت فريدا ألوانًا زاهية ومشرقة، مستوحاة من الفنون الشعبية المكسيكية. كما كانت للألوان معانٍ رمزية في أعمالها: فعلى سبيل المثال: اللون الأحمر يرمز إلى الألم أو الحب، بينما يعكس اللون الأخضر الحياة والنمو في اغلب لوحاتها الفنية. حيث استخدمت فنها للتعبير عن تجارب المرأة والمعاناة الشخصية. رغم أن بعض النقاد صنفوها ضمن تيار السريالية، إلّا أن الفنانة التشكيلية فريدا رفضت هذا التصنيف، مؤكدة أنها "ترسم واقعها الخاص" وتصف أعمالها بأنها مزيجًا من الواقع والخيال، حيث تتداخل العناصر الواقعية مع الرموز الغريبة والخيالية. كما كانت فريدا ناشطة سياسية، وانضمت إلى الحزب الشيوعي المكسيكي، وعبرت عن آرائها من خلال لوحاتها الفنية. فأسلوبها الفني يُعد من أكثر الأساليب تميزًا وتفردًا في تاريخ الفن الحديث، حيث مزجت بين التجربة الشخصية والرمزية الثقافية بأسلوب بصري متفرد.
كان تركيز فريدا كاهلو على تصوير الذات وكانت لوحاتها وسيلة للتعبيرعن معاناتها الجسدية والنفسية، حيث استخدمت وجهها كقماش لتصوير الألم، الحب، والخسارة. تُظهر لوحاتها مثل "العمود المكسور" و"الفرشتان فريدا" هذا الجانب بوضوح وهو الجانب المظلم من شخصيتها. فجل أعمالها ترتكز على ثنائية الواقع والقدر، إذ ينبع ذلك من معاناتها النفسية، وكان الرسم المتنفس الوحيد لآلامها وعذاباتها وقدرها الصعب. فالمعاناة جعلت تجربتها الخاصة منبعاً للخيال والإلهام الفني، إذ أن لوحاتها كانت واقعية قابلة للفهم وغير مستعصية الإدراك، وفيها الكثير من التوثيقية والوضوح.
أسلوب فريدا كاهلو هو مزيج من الجرأة الفكرية والهوية الثقافية، حيث حوّلت معاناتها إلى فن عالمي. فأعمالها ليست مجرد لوحات، بل شهادات مرئية عن القوة والانكسار والضعف الإنساني. كما تعتبر أيقونة نسوية لتصوير تجارب المرأة المتمردة، مثل الإجهاض والعلاقات المضطربة، وكذلك كسر المحظور في الفن الذكوري السائد آنذاك. وقد حولت فريدا كاهلو معاناتها إلى فن نابض بالحياة لتسمو به عاليًا بعيدًا عن الألم والمعاناة. كانت فريدا كاهلو أكثر من مجرد رسامة، بل كانت مرآة مشروخة للكون، تعكس من خلال تصدعاتها ضوءًا داخليًا متوهجًا. لم تكن الألوان في لوحاتها مجرد طيف بصري، بل كانت صرخات متجلّية، نسيجًا حيًّا من الألم، وأملًا ممزقًا بخيوط الشك والموت.
فريدا لم تهرب من معاناتها، بل حولتها إلى لغة. وكأن الألم عندها كان توقا إلى الحقيقةٍ، التي لا تدركها سوى الأرواح التي تمر عبر عالمها الخاص. وفي ذلك العالم الغامض، كانت فريدا تضيء طريقها الصعب بالألوان الصاخبة. وكانت تستخدم هذه الألوان كما يستخدم الفيلسوف المفاهيم: لا لتزيين الواقع، بل لتفكيكه وإعادة بنائه على أنقاض الماضي.